مقابلة | خطة إضعاف جهاز القضاء: "تمرد سياسي على كل ما هو قانوني ودستوري"

رأى المحامي عدي منصور، أن الطبقة الاستيطانية في الحكم تتمرد على كل ما هو قانوني ودستوري بل على كل ما يخالفهم أو يزعجهم. وأن هناك صراع بين الحركة الاستيطانية الموجودة اليوم في الحكم وبين المحكمة العليا

مقابلة | خطة إضعاف جهاز القضاء:

ليفين وإلى جانبه نتنياهو (Gettyimages)

أثارت خطة وزير القضاء الإسرائيلي، ياريف ليفين، الرامية إلى إضعاف جهاز القضاء تحت مسمى "إصلاح قضائي"، ردودا على مستوى القضاة والمحامين والمؤسسات المعنية وهناك من اعتبرها تسييس للجهاز القضائي وأنها تهدف إلى تقويض المحكمة العليا والمس بالديمقراطية.

كما رأى آخرون بأن خطة ليفين ستصل إلى ما هو أسوأ حتى من وضع النظام القضائي الذي كان سائدا في جنوب إفريقيا في أوج نظام الفصل العنصري "أبارتهايد".

وتهدف خطة ليفين إلى تقليص صلاحيات المحكمة العليا من خلال منعها من إلغاء قوانين يسنها الكنيست وتتناقض مع قوانين أساس تعتبر دستورية، وإلغاء ذريعة عدم المعقولية لدى نظر المحكمة في قرارات تتخذها الحكومة، بالإضافة إلى تعزيز قوة السياسيين في لجنة تعيين القضاء وعدم إشراك نقابة المحامين فيها؛ وبموجب مذكرة القانون، بالإمكان تعيين رئيس للمحكمة العليا من خارج المحكمة.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" المحامي في قسم الحقوق السياسية والمدنية في مركز "عدالة"، عدي منصور، حول خطة ليفين المقترحة وتبعاتها.

"عرب 48": كيف تصف هذه الخطة؟

منصور: هناك هوس نتج في السنوات الأخيرة لدور المحكمة العليا وكأنه تقليص للديمقراطية الإسرائيلية وهو هوس فعلي، وكأن المحكمة العليا جاءت لتحدد التشريع ومنتخبي الجمهور وهذا غير صحيح.

المحامي عدي منصور

نحن نتحدث عن محكمة تتدخل في القوانين وخصوصا عندما يدور الحديث عن قوانين عنصرية ضد الفلسطينيين فهي لم تفعل في هذه الحالات سوى 4 مرات، ويبدو أن هناك رغبة مرتبطة عالميا لتحويل القضاء إلى أكثر يمينية ومحافظة على أن يلتزم في حدود ما يشرعه الكنيست وتغيير جوانب مختلفة في مجال القضاء بما فيها المستشار القضائي للحكومة المتواجد في صراع مع الحكومة الجديدة حول الاتفاقيات والتشريعات الجديدة، على سبيل المثال قضية أمر منع رفع العلم الفلسطيني والذي قال عنه المستشار القضائي إن أوامر الوزير تخالف سياسات الدولة التي لم تعد ترى برفع العلم مخالفة جنائية منذ اتفاقيات أوسلو.

"عرب 48": إلى أي مدى يعتبر التدخل في تعيين القضاة خطيرا على سلطة القانون؟

منصور: التدخل في تعيين القضاء ليس جديدا، إذ بدأ منذ تولي أييليت شاكيد وزارة القضاء، والمحاولة واضحة وهي تهدف إلى تعيين عدد أكبر من القضاة اليمينيين، وهذا توجه موجود فعلا، فاليوم هناك قضاة مستوطنين وهناك قضاة أكثر ذو توجه يميني سواء إن كان سياسيا أو قضائيا.

وفي الوقت نفسه، كانت اللجنة قديما متوازنة بين الجانب القضائي والجانب السياسي، وما يسعون إلى تغييره هو لجنة سياسية من الأحزاب السياسية وهو ما يطرح سؤال حقيقي حول المس في فصل السلطات.

"عرب 48": في إسرائيل مبدأ فصل السلطات لن يكن يوما مثاليا، وهو شرط أساسي لنظام ديمقراطي، فهل تبقى أصلا ثلاث سلطات بعد هذه الخطة؟

منصور: في الأصل لم نشهد يوما في إسرائيل في ما يتعلق بفصل السلطات، وفي عملنا كمؤسسة لحقوق الإنسان نلاحظ أنه لا يوجد فصل للسلطات وأكبر مثال على ذلك عندما يمثل فلسطيني أمام محكمة نصطدم بالمواد السرية، وفجأة يختفي كل مفهوم العدالة والقضاء، ويخرج محامي الدفاع والمتهم من الجلسة وفعليا تصبح الجلسة بين القاضي ومحامي الدولة وممثل الدولة (المخابرات) للتداول في الملف، لذلك مفهوم فصل السلطات لم يكن موجودا في يوم من الأيام، على العكس فإن المحكمة تتناغم مع السلطة السياسية وفي نفس الوقت كان نوع من المجال الصغير للمناورة القانونية، واليوم عند تعيين قضاة باختيار سياسي لن يكون من الممكن حتى الالتماس أمام هؤلاء القضاة المسيسين.

"عرب 48": أحد أهم التعديلات في الخطة هو قانون "التغلب" ويعني أن الكنيست بتركيبة 61 عضوا قادر على سن قانون رفضته المحكمة العليا، فيما لا تستطيع الأخيرة رفض القانون إلا بتركيبة كاملة بأغلبية 12 قاضيا، هل يمكن اعتبار هذا التعديل تقويضا لدور المحكمة العليا؟

منصور: من المهم الإشارة إلى أننا اليوم وحتى قبل التعديل لسنا بوضع قضائي جيد، على العكس تماما فإن المحكمة العليا هي من تشرعن قانون منع لم الشمل وقانون القومية وغيرها من القوانين العنصرية والاستعمارية ولم تلغها للمحافظة على حقوق الأقليات رغم تناقضها مع القانون الأساسي "حرية الإنسان وكرامته".

هذه الخطة تغلق حتى الفجوة الصغيرة الباقية للمناورة القانونية لتحدي قوانين عنصرية، وتعيدنا إلى ما قبل سن قوانين الأساس، وحتى يمكن إعادة تشريع قوانين تخالف بشكل تام قوانين أساس ويواصل كونه قانون حتى وهو يخالف قوانين تعتبر دستورية.

"عرب 48": المحكمة العليا رفضت حتى اليوم 22 قانونا بينها 4 قوانين فقط تتعلق في قضايا الأقليات القومية أو الفلسطينيين، فما دام هذا هو حال المحكمة العليا التي شرعت سلسلة قوانين تخالف قوانين دستورية؛ فماذا يريدون بعد؟

منصور: نعم، حتى أن أحد هذه القوانين لم يكن تدخل المحكمة العليا لصالح الفلسطينيين مثل قانون منع تعويض الفلسطينيين بل كان تدخل المحكمة ضد الفلسطينيين، نحن نتحدث عن حركة استيطانية وصلت إلى الحكم، وهذه الطبقة تتمرد على الحكم وتتمرد على كل ما هو قانوني ودستوري بل على كل ما يخالفهم أو يزعجهم.

كما تذكر كان هناك قانون اسمه قانون "تشريع البؤر الاستيطانية" الذي ألغته المحكمة العليا، إذ أن هناك صراع بين الحركة الاستيطانية الموجودة اليوم في الحكم وبين المحكمة العليا والأولى تنظر إلى الأخيرة على أنها ضد المستوطنين، وتدافع عن الفلسطينيين وتهاجم الإسرائيليين، وهي أصلا حملة تضليل إعلامي لا أصل لها وهي ضمن حملة انتخابية لهذه الأحزاب من أجل تعزيز قوتها في الرأي العام الإسرائيلي وتعزيز قدرتها من أجل تطبيق سياساتها الاستعمارية والاستيطانية.

"عرب 48": ماذا يعني التعديل الرامي إلى تعيين المستشارين القضائيين تعيينا سياسيا، أي أن المطلوب تسخير القانون لخدمة السياسي وليس العمل وفقا للقانون؟

منصور: هناك غرابة في طلب التعديل في قضايا المستشارين القضائيين، من وجهة النظر الإسرائيلية اليمينية أكبر مشرع لقوننة قوانين عنصرية لا يمكن تشريعها بدونه، إذ أن المستشار القضائي كان الحامي الأكبر لقانون منع لم الشمل ووقف أمام المحكمة ليدافع عن القانون وتحويل المسألة إلى مسألة أمنية، وهذا ما أعطى القانون شرعية على مدار نحو 20 عام.

"عرب 48": إلى أي مدى تتشابه المحاولة الحالية في الانقلاب على القضاء مع نظام الأبارتهايد بجنوب إفريقيا؟

منصور: إن المراحل التي تمر فيها إسرائيل من حيث التطرف والفاشية ليست شبيهة بأي مكان آخر، علمًا أنه في نظام الأبارتهايد في حينه بجنوب إفريقيا المحكمة العليا كانت تتدخل في قوانين عنصرية أكثر بكثير مما يوجد لدينا.

أعود لأذكر الجميع بقانون منع لم الشمل في إسرائيل شرعت المحكمة العليا القانون، في حينه بجنوب إفريقيا نفس القانون جاء ليمنع الأفارقة السود لم شملهم في المدن التي لم تكن مسموحة لسكنهم، والمحكمة العليا في جنوب إفريقيا بحينه رفضت وألغت القانون وفي إسرائيل صادقت المحكمة على قانون مماثل يمنع الفلسطينيين من لم شملهم، فأكثر الأنظمة عنصرية وفاشية لم تصل إلى مستوى نظام الحكم في إسرائيل.

التعليقات